mardi 23 juin 2020

الأشهر الحرم


مادة فضائل الأعمال:

الأشهر الحرم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ... ] التوبة: 36. [

يذكر الله تعالى في هذه الآية الأشهر الحرم.

إذ يقول جل وعلا:﴿ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾أي ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ورجب الفرد لأنه منفرد عن الأشهر الثلاثة الباقية من الأشهر الحرم.

وسميت الأشهر الحرم لأن الله حرم فيها القتال بين الناس إلا في حالة الدفاع عن النفس، وذلك من رحمة الله لعباده حتى يسافروا فيها و يعتمروا و يحجوا آمنين مطمئنين.

ومن فضائل الأشهر الحرم أن فيها شهر ذي الحجة الذي تؤدى فيه مناسك الحج.

كذلك في الأشهر الحرم عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه لقوله تعالى: (والفجر وليال عشر)] سورة الفجر الآية [2-1، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أفضل الأيام، وأن العمل الصالح فيها أعظم من غيرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".

وفي الأشهر الحرم يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، وهي من أعظم الأيام عند الله.

ومن بين الأشهر الحرم شهر الله المحرم الذي يستحب فيه الصيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ".

وفي هذا الشهر المعظم يوم عاشوراء الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه.

قال الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ... ﴾] التوبة: 36. [

ومن خصائص الأشهر الحرم أن الذنوب فيها أعظم من غيرها، قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى:﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾[التوبة: 36] أي في هذه الأشهر المحرمة، المعاصي تضاعف فيها الذنوب كما أن المعاصي في البلد الحرام تُضاعف لقوله تعالى:﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الحج: 25]، وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام.

وقال قتادة في قوله﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36] إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما و لكن الله يعظم من أمره ما يشاء.

وذكر القرطبي رحمه الله في قوله تعالى﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾[التوبة: 36] قال: "بارتكاب الذنوب؛ فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيِّئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح.

هذه الأشهر الحرم أشهر عظيمة عند الله تعالى يحرم فيها ظلم النفس باقتراف المعاصي و تعدي حدود الله، كما قال تعالى: (﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[ التوبة: 36]. يعني لا تظلموا أنفسكم في هذه الأشهر الحرم لأنها آكد تحريما فيها، لعظمها و شدة حرمتها عند الله تعالى.

الأعمال فيها مضاعفة الجزاء، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، لذلك أكّد الله تعالى النهيَ عن الظلم فيها؛ فقال: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾[التوبة: 36] ، والظلم هنا أنواع منها ظلم النفس بالشرك بالله لقوله تعالى: (لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) [سورة لقمان:13]  و منها أيضا ظلم الناس و كل المخلوقات كما يشمل الظلم كل المعاصي بترك الواجبات وفعل المحرمات ، وكلها ظلمٌ للنفس، لقوله تعالى: وقال: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[البقرة:57].
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ﴾[التوبة: 36] ،  قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد: تحفَّظوا على أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف وقال قتادة رحمه الله: "إن العمل الصالح والأجر أعظم في الأشهر الحرم، والذنب والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهنّ، وإن كان الظلم على كل حال عظيم.

و خلاصة القول أن الأشهر الحرم تعتبر أفضل من غيرها من الشهور. وكما عظمها الله عز وجل و شدد على تحريم الظلم فيها وجب على المسلم تعظيمها (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج: 32]  و ذلك بالتزام حدود الله فيها و بإقامة الفرائض وتقوية الإيمان و الاجتهاد في العمل الصالح والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة من قيام لليل و نوافل الصلاة والصيام و تلاوة القرآن وذكر لله و بر للوالدين و الإكثار من الصدقات و تفريج للكرب بقضاء حوائج الناس وكذا صلة الرحم وإصلاح ذات البين والإحسان إلى الناس والدعوة إلى الله امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني و لو آية).

وفقني الله وإياكم لاغتنام هذه الأشهر الحرم وتعظيمها وأعاذني الله وإياكم من أن نظلم فيها أنفسنا أو غيرنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.