dimanche 21 juin 2020

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

مادة الأخلاق:ل


 من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه





الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد، لقد بعث خير الأنام محمد صلى الله عليه و سلم ليتمم مكارم الأخلاق و يزكي  النفوس و يهذب السلوك.


ومن وصايا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن ما رواه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم".مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه."

وهذا الحديث العظيم أصلٌ كبيرٌ في تأديب النفس وتهذيبها، وصيانتها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى فيه ولا نفع. قيل عن هذا الحديث: إنه أصل من أصول الأدب، وقيل: هذا الحديث ثلث الإسلام. وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-: "وهذا الحديث ربع الإسلام على ما قاله أبو داود"، وأقول: بل هو نصف الإسلام، بل هو الإسلام كله .


أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، إلى الطريق الذي يبلغ به العبد كمال دينه ، وحسن إسلامه ، وصلاح عمله ، فبيّن أن مما يزيد إسلام المرء حسنا ، أن يدع ما لا يعنيه ولا يفيده في أمر دنياه وآخرته

كَمْ جَلَبَ الِاشْتِغَالُ فِيمَا لَا يَعْنِي مِنْ مَصَائِبَ! وَكَمْ عَادَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ َمَتَاعِبَ! 


خُصُوصِيَّاتٌ أُشِيعَتْ، وَصُدُورٌ أُوغِرَتْ، وَأُسَرٌ تَمَزَّقَتْ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ، كَانَتْ شَرَارَتُهَا وَبِدَايَتُهَا الِاشْتِغَالَ فِيمَا لَا يَعْنِي.

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه يرشد الحديث إلى خلق عظيم يدعو إليه كمال الإيمان وهو حفظ الجوارح وإبعادها عن كل ما لا نفع فيه ؛ فيحفظ سمعه عن كل ما يوقعه في الغيبة أو النميمة أو فحش القول أو التجسس أو غير ذلك، ويحفظ بصره عن خائنة الأعين ، والنظر إلى ما لا يحل له، يقول الحسن -رحمه الله": من علامة إعراض الله -تعالى- عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه."

 فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ ، فَمَنِ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ بِلِسَانِهِ، سُلِّطَ عَلَيْهِ -وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ- أَلْسِنَةٌ حِدَادٌ تَهْتِكُ سِتْرَهُ، وَتَفْضَحُ أَمْرَهُ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ، فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا، وَأَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ، فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، فَنُسِيَتْ عُيُوبُهُمْ .

ومن الأمور التي يشملها الترك في الحديث : ترك فضول الكلام ، ولغو الحديث ؛ لأنه  يتعلق بجارحة خطيرة ، ألا وهي جارحة اللسان وقد امتدح الله عباده المؤمنين بقوله : "والذين هم عن اللغو معرضون "المؤمنون : 3 ، فمن صان لسانه عن فضول القول ، سَلِمَ من انزلاقه فيما لا يحبه الله ، وحمى منطقه من الغيبة والنميمة  و المراء  و الجدال، و السخرية و الاستهزاء و قول الباطل، واللغو.

لِسَانُكَ لَا تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ *** فَكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ

وَعَيْنُكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايِبًا *** فَصُنْهَا وَقُلْ: يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ

لذلك حث الشرع في مواطن كثيرة على لزوم الصمت إلا بما فيه ذكر الله تعالى ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قال الله عز وجل ":  لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس . "النساء : 114  .

قال عمر بن عبد العزيز: "من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه". وقال معروف الكرخي: "كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله -تعالى".

قال الشافعي: "ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني".  


من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه كما  يستوجب علينا أن نحذر من تتبع عورات المسلمين والتفتيش عنها، والتجسس عليهم، والتنصت على حواراتهم ونخص بالذكر هنا الاستعمال الغير اللائق لوسائل التواصل الاجتماعي. وذلك بالنظر إلى المحرمات  والتساهل في نقل الأخبار الكاذبة والإشاعات الباطلة ونشر الرسائل والمقاطع المضللة والتعليقات المشينة  التي قد تؤدي إلى كثير من الشرور والآثام.


وهذا توجيه لطيف إلى أهمية الوقت، وأنه يجب الحرص على استثماره في النافع من القول والعمل، والبعد عن كل ما لا فائدة فيه، قال -صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" .أخرجه البخاري.

 وكلما كان المرء حريصاً على أن يدع ما لا يعنيه وأن يترك اللغو والفضول؛ كان ذلك أحفظ لوقته، وأسلم لدينه، ودليلا على كمال إسلامه .


وعلى كل واحد منا أن يشتغل بما يهمه وينفعه من أمور معاشه ومعاده، فإن العمر قصير، و الحساب طويل ، ومن نجح في استغلال وقته وأحسن تنظيمه؛ وجد لذلك من الثمرات ما لا يعد ولا يحصى.


وينبغي أن يُعلم أن الضابط الصحيح لترك ما لا يعني هو الشرع ، لا مجرد الهوى والرأي ، لذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم أمارة على حسن إسلام المرء ، فإن بعض الناس يترك النصيحة لإخوانه  بدعوى أنها تدخّل في شؤون الآخرين   ويترك ما أمره الله به من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، بحجة احترام الخصوصيات ، وكل هذا مجانبة للشرع ، وبعد عن هدى النبوة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان تاركا لما لا يعنيه، ومع ذلك كان ناصحا مرشدا ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، عاملا بأمر الله في حلّه وترحاله .


وخلاصة القول أن في الحديث إرشادا لما فيه حفظ وقت الإنسان من الضياع ، ودينه من الصوارف التي تصرفه عن المسارعة في الخيرات ، والتزود من الصالحات ، مما يعين العبد على تزكية النفس ، وتربيتها على معاني الجد في العمل ، إن اهتمام المرء وانشغاله بما يعنيه فيه فوائد عظيمة ، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، فمن اشتغل بالناس نسي أمر نفسه ، وأوشك اشتغاله بالناس أن يوقعه في أعراضهم بالقيل والقال ، كما أن انشغال المرء بنفسه وبما يعينه فيه حفظ للوقت ، ومسارعة في الخيرات وترك للمنكرات ، فضلا عما يورثه ذلك على مستوى المجتمع من حفظ الثروات ، وتنمية المكتسبات، وإشاعة روح الجدية والعمل ، والإخاء والتعاون  .


 نسأل الله تعالى أن يعيننا و إياكم على ترك ما لا يعنينا و أن يوفقنا و إياكم على حسن استغلال أوقاتنا في ما يرضي ربنا  بارك الله لي و لكم في القرآن الكريم و في حديث سيد الأولين و الآخرين و أجارني الله و إياكم من عذابه المهين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire